top of page
Seagulls Post Arabic

شهادات - هدى النعيمي: حلم بسيط للكُتاب العرب!

  • صورة الكاتب: Seagulls Post Arabic
    Seagulls Post Arabic
  • 6 فبراير
  • 4 دقيقة قراءة

هدى النعيمي - قطر
هدى النعيمي - قطر

شهادات - هدى النعيمي: حلم بسيط للكُتاب العرب!

في طريق بجانب جامعة " سواس " البريطانية في قلب لندن ، لفت نظري لافتة تشيرإلى مكتب الشاعر والمسرحي والناقد البريطاني  "تي اس إليوت" ، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1948، والمتوفى عام 1965، وجدت لافتة نظيفة بخط واضح تشير إلى مكان مكتب الشاعر الذي تعتز به بريطانيا، وليس بعيدًا عن الجامعة أيضاً، ستجد بيت إنجليزي جداً يحمل لافتة صغيرة كُتب عليها: هنا كانت تعيش فيرجينيا ولف .

 وفي رحلة أخرى في مدينة "برايتون" جنوب لندن ، أيضاً لفت نظري لافتة صغيرة معلقة على أحد البيوت العادية جداً والقريبة من البحر، اللافتة تقول إنه في هذا البيت عاش الكاتب الأنجليزي "تشارلز لوتوديج دولسن" ، والذي كتب الرائعة ذائعة الشهرة " أليس في بلاد العجائب " تحت اسم مستعار هو "لويس كارول"، وهو المتوفى عام 1898، لكن اللافتة على المنزل تدل من يمر على المكان بأن ذلك الكاتب الفذ كان هنا ، وأنه كان يجلس في الحديقة العامة، والصغيرة أمام منزله، والتي ما تزال موجودة حتى اليوم، يتخيل خروج الأرنب من الجحر ثم الفتاة "أليس"، وهي تدخل الجحر وراءه .

 بيت كاتب "أليس في بلاد العجائب" لم يتحول إلى متحف، ولا مكتب  "تي اس إليوت" صار مزاراً، لكنك عندما تكون هناك تشعر بحضرة هؤلاء، ليس وحدهم، فمدينة "لندن" تمتلئ باللافتات الصغيرة التي تعلمك أن فلانًا، شاعراً كان أم سياسيًا، أو بطل حرب، كان يعيش في هذا المكان، ويظل المكان ملكاً لأفراد العائلة دون سحبه منهم تحت مسمى المصلحة العليا .

وخلال مشوار للتعرف على "لندن" سيراً على الأقدام في ضاحية "ويمبلدون"، أشارت لي صديقتي إلى بيت عادي جداً، يلتصق به بيوت أخرى من كلا الجانبين في شارع "غراند درايف"، أشارت إلى البيت وقالت " هنا كان يسكن الكاتب الكبير الطيب صالح " توقفت عن السير، وأمعنت النظر في البيت الذي لا يختلف عن بيت أي مواطن بريطاني آخر، حولت نظري إلى البوابة، فلم أجد اللافتة الصغيرة التي تدل على ذلك، وكذلك عندما أشارت صديقتي نحو بيت قريب من محطة "ويمبلدون" للقطارات وقالت هنا كان يعيش فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، وأصارحكم أن هذا الأمر كان محزناً لي، فهؤلاء المبدعون العظام في عالمنا العربي، لا أحد يهتم لشأنهم في الغرب، ولا حتى أصحاب البيوت من أبناء أو أحفاد .

ولاحقاً عدت محملة بالحزن ذاته إلى عروبتي، لا إشارة في دمشق تقول هنا كان يعيش عبد الرحمن منيف أو حنا مينا ، و لا أجد في القاهرة لافتة تدل على مكان سكن عباس العقاد أو توفيق الحكيم ، أو أحمد عرابي أو أحمد زويل ، ولا أعرف إذا كان في الجزائر بيت ما زال يُكتب أمامه لافتة باسم جميلة أبوحريد أو إذا كان هناك في ليبيا بيت يشار إليه كآخر بيت أقام فية المجاهد عمر المختار .

 وفي الكويت ، قد يعرف الناس حتى اليوم منزل الفنان الراحل عبدالحسين عبد الرضا ، لكن البيت الذي ذهب إلى ورثة الفنان كما هي سنة الله في خلقه، ذاك البيت لا يحمل اسم الفنان الراحل، ويقطنه أُناس آخرون، وربما تم بيع البيت إلى أغراب لن يهتم أي منهم بوضع اسم غريب على منزله الخاص .

دوماً تعودنا في ديارنا العربية بإلقاء اللوم على الحكومات والمؤسسات الرسمية، نطالب بإنشاء المتاحف باسم أم كلثوم أو محمد عبدالوهاب، نطالب بتسمية شوارع باسم الطاهر وطار، أو محمد شكري، كما نطالب بإدخال أشعار نزار قباني والبياتي و الجواهري ضمن المناهج التعليمية، وتبقى هذه مطالبات مشروعة، وقد تأخذ بها الحكومات، أو المؤسسات الثقافية الرسمية أو لا تأخذ، فماذا عن اهتمام عائلة هذا الكاتب أو ذاك الفنان تجاه اسم كبير تتباهى به العروبة وتتباهى به دولته، وأهل بلده؟

 هل من الكثير أن يضع هؤلاء اللذين سكنوا ذاك البيت، هل كثير أن يضعوا قطعة حديدية صغيرة يحفرعليها اسم ذاك الفنان أو تلك الكاتبة ؟ أعلم أن هذه الثقافة غير موجودة عندنا كعرب، لكن آن لنا نفكر في هؤلاء اللذين رحلو، وما يزال لهم علينا أن نتذكرهم ونذكر الآخرين من الجيل الجديد بهم، و لا أقل من الإشارة إلى بيوت سكنوها سنوات، وفيها كتبوا إبداعاتهم، ولحنوا ألحاناً بديعة، ككبار الملحنين أمثال الرحباني او السبناطي أو بليغ حمدي، في تلك البيوت رسم بعض منهم لوحات للخلود مثل العراقي محمد حجي سليم وابنة جواد سليم، أو محمد سعيد، وحسن بيكار وغيرهم، وليس فناني السينما عنهم ببعيد، فكم واحد منا يعرف أين كان يسكن إسماعيل ياسين أو زينات صدقي، أو أنور وجدي أو نجيب الريحاني، وماذا عن  المخرجين الكبار اللذين صنعوا مجد السينما المصرية أمثال علي بدر خان أو يوسف شاهين و غيرهم الكثير .

ولست هنا في مجال رصد الأسماء الكبيرة والتي ما يزال لها حق علينا، وحق بيننا، و لا أرى أقل من هذا الشأن، والأمر هين في تنفيذه إذا تم قبول الفكرة في الثقافة العامة، وإذا بدأ بها أحد أصحاب تلك البيوت، وذلك لن يخدش حرمة البيوت، ولن ينال من خصوصية أهله في  شيء، وإنما ليشار لهذا المكان بشيء من الاحترام والتقدير لمن كان ساكنه في يوم ما، وربما قرئت له الفاتحة، أو دعوات له بالرحمة، ألا يصب ذلك في تكريم الراحل أو الراحلة ممن أعطوا شيئًا كثيرًا،  ولم يطالبوا بإنشاء متحف، أو تسمية شارع أو مدرسة باسمائهم، و اكتفوا ببيوت صغيرة سكنوها حتى نهاية الحياة .

 ولا يقف المطلب عند تسمية البيوت أو عنونتها بأسماء الراحلين من الأجلاء، ولكن أيضًا مكاتبهم ومكتباتهم، أو المراسم والمختبرات لأهل العلم منهم، أليس من الواجب تسمية تلك المكتبات، والمختبرات وقاعات المحاضرات بأسماء المعطائين من الراحلين ؟ في الدوحة، تم إطلاق اسم الفنان الموسيقي الراحل عبدالعزيز ناصر على أحد المسارح في المدينة، وهذا صنيع تشكر علية المؤسسة الثقافية، لكن الثقافة المحلية السائدة، تمنع أهله وأحبته من وضع لافتة أمام تلك البيوت ليكتب عليها: هنا عاش عبدالعزيز ناصر، أو علي الساعي، أو فرج عبدالكريم، وكلهم من الفنانين الذين رسموا المشهد الفني في قطر، رحم الله هؤلاء جميعًا، وأعترف بأن ما يزال لهؤلاء دين علينا، لنفكر في سداده .

 

 

bottom of page